فضل البكاء على سيد الشهداء
أعلموا أن البكاء عليهم - أرواحنا فداهم - كزيارتهم من أهم العبادات، وأتم القربات، وأفضل المثوبات، وأقرب الطاعات، لأن مصائبهم على عظمها، وكونها أعظم المصائب كلها كانت في سبيل رب البرايا، فمن بكى على مصائبهم فقد واسى خالق الأراضين والسماوات، وإطاعته بأجمل الإطاعات.
وقد ورد عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم اللَّه وجهه على النار .
و في خبر آخر: ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر اللَّه له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر .
وعن الرضا عليه السلام:إنّ من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون،ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
وعن مولانا الباقر عليه السلام: إن من دمعت عيناه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا نقضناه أو عرض انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا بوّأه اللَّه بها في الجنّة حقباً .
وعن سيد الساجدين عليه السلام أنه قال : من قطرت عيناه (فينا قطرة و)أو دمعت عيناه فينا دمعة بوّأه اللَّه بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، أو إحقباً.
وعنه عليه السلام أيضاً: أن أيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خدّه فيما مسّنا من الذي من عدوّنا في الدنيا بوأه اللَّه مبوأ صدق .
بل عنه عليه السلام عقيب ذلك: وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة مما أوذي فينا، صرف اللَّه عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار .
وقال الرضا عليه السلام في حديث:فعلى مثل الحسين عليه السلام فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام .
وقال عليه السلام في حديث آخر لابن شبيب :يا بن شبيب:إن كنت باكياً لشيىء فابك للحسين بن علي عليهما السلام، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأراضون لقتله.. إلى أن قال: يابن شبيب! إن بكيت على الحسين عليه السلام حتى تصير دموعك على خدّيك غفر اللَّه لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً .
يا بن شبيب:إن سرّك أن تلقى اللَّه عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام .
يابن شبيب! إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فافوز فوزاً عظيماً.
يابن شبيب! إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أن رجلأ أحب حجراً لحشره اللَّه معه يوم القيامة .
وقال الإمام الصادق عليه السلام في حديث: أن أباعبداللَّه الحسين عليه السلام لما مضى بكت السموات السبع، والأرضون السبع، وما فيهّن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربّنا وما يرى وما لا يرى بكى على أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام إلا ثلاثة أشياء ،
قال الراوي: قلت: وما هذه الثلاثة ؟
قال: لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان عليهم لعائن اللَّه.
وعنه عليه السلام: إن السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وأنّ الشّمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وأنّ الجبال تقطعت وانتثرت، وأن البحار تفجرّت، وأن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام، وما اختضبت منّا امرأة ، ولا ادهنت، ولا إكتحلت، ولا ترجّلت حتى أتانا رأس عبيداللَّه بن زياد لعنه اللَّه وما زلنا في عبرة من بعد .
وعنه عليه السلام: إن من ذكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللَّه ولم يرض له بدون الجنة .
وقال عليه السلام لمسمع بن عبدالملك في حديث: أما تذكر ما صنع به يعني بالحسين عليه السلام ? قال مسمع: بلى ،
قال عليه السلام: أتجزع ؟
قال مسمع: إي واللَّه واستعبر حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي .
فقال عليه السلام:رحم اللَّه دمعتك، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، أما إنك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك من البشارة أفضل، ولملك الموت أرق عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها.. .
إلى أن قال عليه السلام: ما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه اللَّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لاطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر ،
وذكر له عليه السلام حديثاً طويلاً يتضمن ثواباً جزيلاً يقول فيه:
وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه مع من أحبنا.
وعنه عليه السلام - أيضاً في حديث طويل يذكر فيه حال الحسين عليه السلام - قال: وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيها الباكي! لو علمت ما أعد اللَّه لك لفرحت اكثر ممّا حزنت، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة